رُوِي أن أبا نواس ذهب في صباه مع جماعة من الشعراء إلى الخصيب لما ولاّه الرشيد على مصر يريدون مدحه و كان الخصيب عبدًا عند الرشيد.
وفي الطريق كانوا يعرضون قصائدهم التي سيلقونها على الوالي فطلبوا من أبي نواس أن ينشدهم قصيدته فقال :
اللَّيْلُ لَيْلٌ وَ النَّهَارُ نَهَارُ = وَ البَغْلُ بَغْلٌ وَ الحِمَارُ حِمَارُ
وَ الدِّيكُ دِيكٌ وَ الدَّجَاجَةُ زَوْجُهُ = وَ كِلاهُمَا طَيْرٌ لَهُ مِنْقَارُ
فضحكوا منه وسخروا !
فلما وصلوا إلى الوالي أنشد كلٌ قصيدته فلما جاء دور أبي نواس بدأ الشعراء يضحكون.
فإذْ به يلقي قصيدة من أربعين بيتًا منها :
تَقولُ الَّتي عَن بَيتِها خَفَّ مَركَبي
عَزيزٌ عَلَينا أَن نَراكَ تَسيرُ
أَما دونَ مِصرٍ لِلغِنى مُتَطَلَّبٌ
بَلى إِنَّ أَسبابَ الغِنى لَكَثيرُ
فَقُلتُ لَها وَاستَعجَلَتها بَوادِرٌ
جَرَت فَجَرى في جَريِهِنَّ عَبيرُ
ذَريني أُكَثِّر حاسِديكِ بِرِحلَةٍ
إِلى بَلَدٍ فيهِ الخَصيبُ أَميرُ
إِذا لَم تَزُر أَرضَ الخَصيبِ رِكابُنا
فَأَيَّ فَتىً بَعدَ الخَصيبِ تَزورُ
فَتىً يَشتَري حُسنَ الثَناءِ بِمالِهِ
وَ يَعلَمُ أَنَّ الدائِراتِ تَدورُ
فَما جازَهُ جودٌ وَ لا حَلَّ دونَهُ
وَ لَكِن يَصيرُ الجودُ حَيثُ يَصيرُ
فَلَم تَرَ عَيني سُؤدُداً مِثلَ سُؤدُدٍ
يَحِلُّ أَبو نَصرٍ بِهِ وَ يَسيرُ
زَها بِالخَصيبِ السَيفُ وَ الرُمحُ في الوَغى
وَ في السِلمِ يَزهو مِنبَرٌ وَ سَريرُ
وَ إِنّي جَديرٌ إِذ بَلَغتُكَ بِالمُنى
وَ أَنتَ بِما أَمَّلتُ مِنكَ جَديرُ
فَإِن تولِني مِنكَ الجَميلَ فَأَهلُهُ
وَ إِلّا فَإِنّي عاذِرٌ وَ شُكورُ
فذهل الشعراء منه و قالوا: ما منعك أن تنشدنا هذه القصيدة عندما طلبنا منك ذلك
فقال: خشيت أن تعجبكم فتسرقونها
ويقال إن الأمين لما تولى الخلافة قال لأبي نواس ،و كان من شعرائه المقربين :
إذا كنت قلت في الخصيب الذي هو عبد عندنا :
إِذا لَم تَزُر أَرضَ الخَصيبِ رِكابُنا
فَأَيَّ فَتىً بَعدَ الخَصيبِ تَزورُ
فماذا أبقيت لنا؟
قال: أبقيت يا أمير المؤمنين قولي فيكم:
إِذا نَحنُ أَثنَينا عَلَيكَ بِصالِحٍ
فَأَنتَ كَما نُثني وَ فَوقَ الَّذي نُثْني
وَ إِن جَرَتِ الأَلفاظُ مِنّا بِمِدحَةٍ
لِغَيرِكَ إِنساناً فَأَنتَ الَّذي نَعْني